يفرض القانون الانتخابي في تونس ضرورة التزام الحملات الانتخابية بجملة من الاجراءات والضوابط لعلّ أهمها شفافية مصادر التمويل وطرق صرف الأموال المرصودة لها. وأناط إلى البنك المركزي مهمّة الإشراف على عملية فتح الحسابات البنكية، واتخاذ الاجراءات اللازمة بمعية وزارة المالية بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات.
ورغم ذلك، تسجل الهيئات الرقابية خلال مراقبتها للحملات الانتخابية لا سيما التشريعية جملة من الخروقات أهمها عدم التزام الأحزاب بإيداع تصاريحها المالية في الآجال، أو ثبوت تلقي تمويلات أجنبية مجهولة المصدر أو تمويلات مُقنّعة عبر الجمعيات. وهو ما أثبتته محكمة المحاسبات إثر رقابتها للحسابات المالية ووثائق الإثبات لـ 1159 قائمة أودعت حساباتها في الآجال القانونية وذلك من أصل 1506 قائمة ترشحت للانتخابات التشريعية لسنة 2019.
وتوصلت المحكمة خلال عملية الرقابة على انتخابات 2019 من خلال مقارنة البيانات التي تحصلت عليها من مركز "إفادة" بين أعضاء الهيئة المديرة للجمعيات وقوائم أعضاء القائمات التشريعية إلى وجود 400 مترشحًا للانتخابات التشريعية ينتمون إلى هياكل تسيير جمعيات وما يمكن أن ينجر عن ذلك من تداخل بين العمل الجمعياتي والعمل السياسي، على النحو المسجّل، مثلًا، لحالة قوائم ائتلاف "عيش تونسي" المرتبطة بجمعية بنفس الاسم المُحدثة عام 2018.
وذكرت المحكمة أنّها تولت توجيه استبيان بتاريخ 24 مارس 2020، إلى 64 جمعية تم اختيارها على أساس مبالغ التمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها في إطار برامج التعاون الدولي، خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2019 ، قصد الوقوف على مدى التزامها بأحكام مرسوم الجمعيات والقانون الانتخابي. ولكن قامت 30 جمعية فقط بالإجابة على استبيان المحكمة، في حين امتنعت ثلاث جمعيات عن الإجابة. وتبيّن أن 13 جمعية تحصلت على تمويلات أجنبية تطورت مبالغها بين سنتي 2017 و2019 وارتفعت مواردها الأجنبية من 9.165 ألف دينار إلى 19.862 ألف دينار.
وذكر التقرير أن المترشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، شارك في عدد من أنشطة جمعية "خليل تونس" التي روج لها عبر برنامج تلفزي بقناة "نسمة" الخاصة، مبينّة أن مشاركة مترشح للانتخابات الرئاسية في إنجاز الأعمال الخيرية من شأنه أن يخفي حملة انتخابية سابقة لأوانها لفائدته.
وأضاف أيضًا أنه تم الوقوف على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر محوّلة إلى جمعية "خليل تونس" التي شارك في أنشطتها المترشح نبيل القروي. وبلغت هذه التمويلات خلال سنوات 2017 و2018 و2019 ما قدره على التوالي 21.097 ألف دينار و57.955 ألف دينار و20.587 ألف دينار، بما يخالف أحكام الفصل 99 من قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.
وجدّدت محكمة المحاسبات، في تقريرها الأخير، تأكيدها ضرورة إيلاء أهمية خاصة لمسألة حوكمة الجمعيات التي تتحصل على موارد أجنبية والرقابة عليها، بما يضمن مشروعية مواردها وحسن استعمالها في الأهداف المخصصة لها، وتفادي التداخل المباشر وغير المباشر بين الحياة الجمعياتية والحياة السياسية.
وكشفت فضيلة القرقوري أن 347 قائمة مرشحة للتشريعية لم تقدم حساباتها ولم تلتزم بمبدأ الشفافية الذي أقرّه القانون الانتخابي، كما لم تلتزم 23 قائمة تشريعية بنشر مختصر لحساباتها بجريدة يومية، وينسحب الأمر ذاته على 8 مرشحين للانتخابات الرئاسية.
وبيّنت القرقوري في هذا الصدد أن هذه المخالفات تستوجب تنفيذ عقوبات أقرّها القانون الانتخابي، مشيرةً إلى أن المحكمة قد شرعت في إعداد تقارير ختم التحقيق بخصوص 203 قائمة لم تقدم حساباتها وتم إصدار 107 قرارات ابتدائية بشأن تسليط عقوبة مالية على القائمات الانتخابية التي لم تلتزم بالإيداع .
كما كشفت القاضية لدائرة المحاسبات أن أكثر من 100 قائمة لم تلتزم بضوابط مسك الحساب، و13 قائمة لم تصرح ببعض الأنشطة، و51 قائمة لم تودع موارد نقدية في الحسابات البنكية، و17 قائمة لم تقدم كشوفات بنكية تغطي كل العمليات التي مرت بالحساب البنكي.
والأخطر من ذلك حسب فضيلة القرقوري، أن الموارد لم تكن "مضمونة"، وشابتها عدة مخاطر لتمويلات مشبوهة تجسدّت بقبول تبرعات من ذوات معنوية وجمعيات، وأن الخاصية الكبيرة لانتخابات 2019 هي اللجوء إلى التعاقد مع الخارج، واستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة "الفايسبوك"، وما أنجر عن ذلك من استعمال الإشهار السياسي وتأثيره على الحملة الانتخابية وعلى إرادة الناخب، بحسب تعبيرها.
من جهة أخرى، ذكرت القرقوري العديد من الشخصيات التي شاركت في الانتخابات الرئاسية والتي ارتكبت تجاوزات خطيرة من ذلك المرشح حاتم بولبيار، الذي قدم لمحكمة المحاسبات حساباً بصفر موارد وصفر نفقات، والحال أنه نظم تظاهرات وأنشطة خلال حملته الانتخابية وصرح في الإعلام بأن نفقاته قد تجاوزت المليار مليم، مضيفةً في هذا السياق، بأن الحسابات المالية للمرشحين لم تكن مشفوعة بقائمة للتظاهرات ومنهم من لم يصرح بالعديد من التظاهرات وكلفتها.
كما أكدت أن المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي أبرم عقداً مع مؤسسة أجنبية بقيمة 2.85 مليون دينار، وتم التأكد من تحويل 427.5 ألف دينار منها إلى حساب بالخارج غير مصرح به لدى البنك المركزي لزوجته، تم الإنفاق منه على الحملة الانتخابية.
وبالنسبة للانتخابات التشريعية أفادت فضيلة القرقوري أن حركة النهضة قامت بإبرام عقود مع شركة للدعاية والضغط بدأ العمل بها منذ سنة 2014، وإبرام عقد تكميلي إلى ديسمبر 2019، وتم دفع مبلغ قيمته أكثر من 187 ألف دولار ككلفة خدمات تم تنفيذها، كما أن المرشحة للانتخابات الرئاسية والتشريعية عن ائتلاف "عيش تونسي"، التجأت إلى إبرام عقد مع شركة أميركية "أمريكا تو أفريكا كونسالتينغ" من شهر ماي الى شهر أكتوبر 2019، بمبلغ 15 ألف دولار أميركي شهرياً.